دنت الشمس وتجه بريقها نحو السكون من على سفوح تلك القمم ، معلنةً نهاية يوم مرير في احد القرى الجبلية من وصاب ..
كعادتها وبتامل شبة يومي تقف الحجة امنة ذو السبعين عام تتلمس دفء ذلك الغروب الذي يبهج جسدها كما هو حالها اليوم .
وفي لحظة زوال الشمس اتكئت بأطراف عكازها الخشبي ، المعمول محلياً راجيه الوقوف ، وبعد معاناه صامته نجحت في تحقيق مقصدها ، فبالرغم من احساسها بألم الفراق وغياب ذلك الدفئ ، متعللة بسنوات العمر المنقضية وبإحساس ميقن بانها وربما …قد لا تفق من نومها التالي فتحرم منه .
بمرارة الوحده اتجهت نحو مسكنها البسيط يأخذ باحد اطرافها صبي ويخطو بخطوات فضوليه كما هي عادة الاطفال .
هي بالأصل اخذت الايام جزء من بصرها ، ضريبة الحياه وسنتها ، فلم تعد ترى بشكل متزن ، واثناء خطوتها التالية تعثرت قدماها فهمت بالسقوط لولا ذلك العكاز انقذ ضعفها ، اخذت بالضحك بروح خفيفة سايرت براءة الطفولة لذلك الصبي الذي انشد بدوره ضاحكاً مثلها ، هي تؤمن بان لكل بداية نهاية فكما اشرقت الشمس فلابد ان تغرب ، وكما لها صعود فلها نزول ايضا .
وبعد سفر هادى قطعت تلك المسافة القريبة البعيدة في سنها حتى وصلت مسكنها ؟
وصلنا يا جدتي ذلك الصبي تلاها ، ونتزع معصمه من قبضتها الضعيفة متجه صوب تلك العلبة الفارغة ، في نظره تصلح بان تكون كره قدم فاخذ يركلها ، واثناء ذلك استندت الحجة امنة على حائط مسكنها القديم لتقوى على امتطى مدخله وصولاً لمهجعها ، وصلت وقد عانت ما عانته في البحث عليه فتلمست وتحسست بكفيها شيء ما ؟ عسى ان تجده فهو مؤنس ليلتها لا لكونها وحيده وبصيرة النظر فما عادت تسعد به ، انما لحمايتها من القوارض ، الرابطة في ذلك المسكن يبدو انها وجدته .. فاذا به ليس مقصدها .
واخيراً امسكت بأطرافه فاذا به مسراجها ، رفعته عاليا حتى ظلال انفها للتأكد من هويته فستنشقت رائحته الملبدة بالقاز ، ذاك الوقود الذي لم يعد له وجود بالكون الا في وصاب كوقود للإنارة ، وفي السماء وقود للطائرات .
اتى الليل ولم تعلم الحجة امنه بقدومه عدا صوت ذلك المؤذن من على احد الجدران العالية بتلك القرية يقول الله اكبر الله اكبر ، صدق الحق مبشراً بصلاة المغرب .
صاحت بتعطش جائش خوف ان تفوتها الصلاه فارتفعت من مقعدها وخطت بعجل فسقطت ورتمت على اكناف ذلك الباب المصنوع من الزنك الردي والمطمور المجمع على بقاياء اخشاب عرى الزمان ملامحها .
لم تعد تتألم من جروحها بفعل شقائها الدائم في الحياه منذ ولادتها وعضالها المزمن ، فقد تصلب جسدها بفعل المكان وقساوة تضاريسه .
رمت صرخاتها نحو ذلك الصبي بسخط اليف مكنه من سماعها رغم ضعف نظرها وصمت سمعها ، اتى واضاء مسرجها ، فاكملت صلواتها ودعت بمرجاتها ، وذلك الصبي الى جوارها يقرا ببسملات وتعويذات حفظ مجملها من حكايات الجدة امنه ونوادر احاديثها .
فرغت من صلاتها وشكت ذلك الصبي بالذهاب لمنزل والديه ، وحينها اتت امل حامله ما توفر من الزاد لتفي حقاً تعودت عليه جدتها المتعثرة ، نادت جدتي وقد غمرها العجل كي تدرك اللعب مع صديقاتها في السن ، اليك العشاء وسأخذ حافظاته بعد ان تفرغي منه ، عندها اكملت الحجه امنة فروضها ولم تابه لذلك الطعام لصعوبة مذاقة ، وضعف حوافرها ؟
وما ان استطاعت حتى ارتمت على حصيرتها راجيه النوم وبدعاء الفرقاء همست الى ان غمرها النُعاس، على بقايا وروائح ذلك المسراج الاثم بصداه المحرق والمعتم ، وبوميضة اخذت القوارض دورها في الحياه ، فنتشرت في ارجاء المكان ، تصول وتجول حتى معالم ذاك المسرج الذي سقط على الارض بفعل تلك القوارض ، فأثار نار انبعث من في المكان ، معلنة لنهاية حكاية ذلك المساء الشقي في وصاب .
فلا فاقت الحجة امنه من نومها .. ولا عادت امل ؟؟
لير حم الله الحجة امنه ... ولتبقى امل ؟؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق